واجهت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين الاحتلال الفرنسي للجزائر بعمل إصلاحي، ارتكز على توعية الشعب وتعليمه للتصدي لسياسة التجهيل، التي اعتمدها الفرنسيون منذ دخولهم إلى الجزائر سنة 1830م.
وفضلا عن التعليم في المساجد، فقد أصدرت جمعية العلماء المسلمين التي تأسست في 5 ماي 1931، أربع صحف هي؛ "السّنّة النبوية المحمدية" و"الشريعة النبوية المحمدية" و"الصراط السوي" و"البصائر" لمخاطبة الشعب.
فما قصة هذه الصحف، وكيف كانت المواجهة بينها وبين الإدارة الاستعمارية الفرنسية؟
السّنّة النبوية المحمدية:
هذه أولى صحف جمعية العلماء المسلمين، التي أعلنت بها الحرب على الاحتلال الفرنسي.
صدرت "السّنّة" (يصطلح عليها هكذا اختصارا) في 3 أبريل 1933 وكانت لسان حال الجمعية، تنشر من خلالها أفكارها الإصلاحية وتعبّر عن رأيها وتردّ على خصومها، مثلما جاء في دراسة للباحث الجزائري مولود عويمر.
تولى رئاسة تحريرها الشيخان الطيب العقبي ومحمد السعيد الزاهري، وهما من الأقطاب الكبار في جمعية العلماء المسلمين، لكن الصحيفة لم تعش سوى شهرين اثنين.
ففي 22 يونيو 1933 صدر قرار بتعطيل صدور "السنة" من طرف الداخلية الفرنسية دون ذكر الأسباب، ورغم رفع جمعية العلماء المسلمين قضية لدى مجلس الدولة الأعلى لإلغاء قرار التعطيل لكنها فشلت في العودة إلى الصدور.
وقد وجّهت الجمعية رسالة احتجاج إلى وزير الداخلية الفرنسي يومها جاء فيها "إن جمعية العلماء المسلمين تعرب لكم عن استيائها البالغ منتهاه، وعن حزنها العميق، الذي سبّبه تعطيل جريدة السنة، وتحتج بكل ما لها من قوة على قراركم المؤرخ بـ22 جوان، القاضي بهذا التعطيل، الذي ينشأ عنه للجمعية ضرر مادي وأدبي جسيم. وإنّ عجب الجمعية عظيم جدا ومما يزيد في عظمه، أنها تجهل أسباب التعطيل، لعدم ذكرها في قراركم.."
الشّريعة النبوية المحمدية:
فورا وبعد تعطيل صدور "السنة"، أعلن الشيخ عبد الحميد بن باديس، مؤسس جمعية العلماء المسلمين، إطلاق جريدة جديدة خلفا لها.
وينقل مولود عويمر في الدراسة ذاتها، أن الشيخ ابن باديس قال بعد تعطيل جريدة الجمعية الأولى "أسّسنا اليوم بدَلها جريدة الشريعة المُطهرة، وستقوم - إن شاء الله - مقامها وتحل من القلوب محلها، والله المستعان وهو حسبنا ونعم الوكيل".
للأسف لم تستمر "الشريعة" (يصطلح عليها بهذا الاسم اختصارا)، إذ أوقفتها الإدارية الاستعمارية بعد صدور سبعة أعداد فقط منها، وكان هذا دليلا على استهداف الاحتلال للجمعية.
وقد صدر العدد الأول من هذه الصحيفة في 17 يوليو 1933، وترأّس تحريرها أيضا الشيخان الطيب العقبي ومحمد السعيد الزاهري، وتوقّفت عن الصدر بقرار من السلطات الاستعمارية في 28 أغسطس 1933، أي أنها لم تعمر أكثر من شهر ونصف.
الصّراط السّويّ:
لم تستسلم الجمعية لاغتيال صحيفتها الثانية، ففي 11 سبتمبر 1933 أطلقت صحيفتها الثالثة بعنوان "الصراط السوي"، واصطلح عليها اختصار باسم "الصراط".
ترأس تحريرها دوما الشيخان الطيب العقبي ومحمد السعيد الزاهري، وكانت هذه رسالة تحدّ من الجمعية للاحتلال مفادها أنها تحافظ على هيئة تحريرها المناهضة له.
عمّرت هذه الصحيفة حتى يوم 8 يناير 1934 أي لأكثر من 3 أشهر، ثم جاء قرار بمنع صدورها بعد 17 عددا، وهو ما كان متوقّعا لدى جمعية العلماء بحكم معرفتها بموقف الاحتلال منها.
البصائر:
أصدرها الشيخ عبد الحميد بن باديس سنة 1935م، وهي آخر وأبرز جرائد جمعية العلماء المسلمين، ولاتزال البصائر تصدر إلى اليوم.
تأسست "البصائر" بعد حملة اضطهاد الاحتلال الفرنسي لثلاث صحف قبلها أصدرتها جمعية العلماء المسلمين هي؛ "السنة" ثم "الشريعة" ثم "الصراط"- حيث صدر قرار يمنع الجمعية من إصدار أية صحيفة أخرى، ودام المنع سنتين.
ومرت "البصائر" بأربعة أطوار في تاريخها، الأولى من 1935 إلى 1939 وكانت تصدر في الجزائر العاصمة حتى العدد 83، ومن العدد 84 إلى العدد 180 أصبحت تصدر بقسنطينة (شرق)، وقد أوقفتها جمعية العلماء عشية الحرب العالمية الثانية خوفا من أن يصادرها المحتل.
الطور الثاني بدأ في 1947 إلى 1956، وعادت إلى مدينة الجزائر، وترأس تحريرها الإمام محمد البشير الإبراهيمي، ويوصف بـ"الطور الذهبي" للجريدة، حتى سماها شيخ المؤرخين الجزائريين أبو القاسم سعد الله في هذين الطورين بـ"الجريدة الكنز"، بسبب المكانة العلمية لمن كانوا يكتبون فيها ويشرفون عليها.
عندما تولى البشير الإبراهيمي رئاسة تحريرها، كتب مقالته الأولى واصفا أهمية الجريدة بالقول "إن بيع القلم واللسان أقبح من بيع الجندي لسلاحه"، ويعني بأن "البصائر" لن تبيع كلمتها للمحتلّ مهما كانت الضغوط.
الطور الثالث فكان خلال "العشرية السوداء" (1990-2000)، حيث تصدّت الجمعية للتطرف وللجماعات المتشددة ولما كانت تقوم به من أعمال عنف ضد الجزائريين.
أما الطور الرابع فيبدأ من العام 2000 إلى الآن، وتسعى "البصائر" لأن تصبح جريدة يومية.
"مدارس متنقّلة"
صدرت كل هذه الصحف قبل ثورة التحرير، التي اندلعت في فاتح نوفمبر 1954، وكان لها دور كبير في بث الوعي لدى الجزائريين بضرورة تحرير البلاد، لذلك كانت المواجهة بينها وبين الفرنسيين مستمرة.
يصف الباحث الجزائري محمد بومشرة في مقال بعنوان "جرائد جمعية العلماء المسلمين الجزائريّين ودورها إبّان الاحتلال الفرنسي"، هذه الصحف بأنّها "كانت بمثابة مدارس متنقّلة بأقلام جزائرية مناهضة للاستعمار اللّعين مستعملة الهدنة واللّين من جهة، ومن جهة أخرى الغلظة والصّرامة في دين الله تعالى، وبأقلام أخرى من خارج الوطن مثل مصر وتونس والمغرب.. وكان لها صدى واسع داخل الوطن وكانت لها مقروئية خارجه لكونها كانت تُحيي النّفوس وتهذّبها".
ويضيف "وعليه قامت الإدارة الفرنسية بإيقاف الأعداد الأولى لجرائد جمعية العلماء، لمّا أدركت وتفطّنت أنّ خطّها يخاطب العقول تارة والقلوب تارة أخرى في أعمدتها وعناوينها وكانت الاستجابة من الشّعب".
المصدر: أصوات مغاربية